أسمي أورن بلبن، لكن أسم العائلة الذي وُلدت معه هو يدغروف. والدي، إيلي يدغروف، الذي كان جندياً متوَّجاً بوسام “تسلاش” ووسام الخدمة المتميزة، قُتل سنة 1965 وهو يعالج فتيل طوبة متفجرة أمام أعين جنوده في “مغدال تسيدك” القريبة من “روش هعاين”. كان قد بلغ ال 27 عاماً عند وفاته.
كنتُ أبلغ حينها سنتين ونصف ولا أذكر يوم وفاته. لكن ارتداد الإنفجار الناتج عن الإحتراق الكامل للفتيل القصير نوعاً ما والذي أنهى حياة والدي، قد هز أركان عالمي.
كنتُ إبناً وحيداً لأهلي. وكان والدي نادر التواجد في البيت فلا أعرف عنه الكثير. لكن تسنى له أن يكون قائداً لوحدة مظليين، وقبل وفاته ببضعة أشهر، تم نقله إلى “سييرت ماتكال” (وحدة رئيس الأركان) من قبل دوف تماري الذي كان حينها قائد الوحدة، ليكون نائباً له. أعرف أن والدي كان يحظى بتقدير كبير من قبل زملائه وجنوده. أعرف أنه اهتم بالطبيعة وأحب الرحلات، مراقبة الطيور والتدبر الميداني. لديّ إنطباع بأنه كان على الرغم من طبيعة عمله، شخصاً إنطوائياً وحساساً. وأنه كما هو حالي، استصعب هو أيضاً ضرب جذور في الأرض، أي الإنتماء. أظن أننا متشابهان.
عندما بلغتُ سن الرابعة، تزوجت أمي مرة أخرى. كان الشخص الذي تزوجته أباً لي وكان أولاده أخوتي. إنني أحمل أسم عائلته التي كانت عائلتي، بحب كبير. كان أبي الذي ربّاني سوية مع أولاده البيولوجيين الأربعة (أخوتي) الشخص الأكثر وجوداً في حياتي. ربما إلى جانب أبي المتوفى، المفتقَد.
فقط حين أصبحتُ أباً، بدأتُ أفكر بالمأساة التي هي حياة والدي القصيرة. حينها فقط، استطعتُ أن أشعر بنقصانه وليس بحضوره. أجد نفسي أحياناً وأنا أتخيل في رأسي محادثة معه. إنها محادثة متخيّلة بين أب عمره 27 سنة وبين إبنه الذي يبلغ ضعف عمره. “تجري” هذه المحادثة بين عالمين مختلفين، سرديتين مختلفتين كثيراً.
يتحدث والدي عن عالمه الذي كان موجوداً حيث البيئة التي نشأ فيها وعمل – إسرائيل 1965، عن مفهوم الخطر الوجودي والمصير المشترك، عن الحد الممحي ما بين الفردي والعام، عن الأمل بالسلام خلال الحرب اللا مفر منها، عن اختياره الحياة المهنية العسكرية، عن أن هذه هي دربه في حمايتي وتحمّل مسؤوليتي، عن الأمل، عن الشوق.
وأنا أتحدث معه عن عالمي المختلف كليّاً، الذي يجري في المكان ذاته لكن بزمن آخر. عن عالم يندر فيه التكافل، عن كيف بهت أمله بالسلام حتى أصبح يأس الإحتلال. عن الحرب التي يوجد مفر منها، عن خيار الإخفاق ثم الإخفاق ثم المزيد من الإخفاق.
أحكي له بأنني مثله أيضاً، ملزَم اتجاه أولادي، بمستقبلهم، ولذا أنا ملزَم بالأمل. أحكي له عن النضال من أجل السلام مع شركاء كانوا في السابق أعداءً، عن محاولاتي في إطالة الفتيل، عن نقصانه في حياتي. إذ أنه في نهاية المطاف وعلى الرغم من أننا عشنا سوية لمدة سنتين ونصف فقط، نحن متشابهان.