للمزيد من القصص

ماشكا ليتباك - "هطل المطر الأول"

كتبت القصة عام 2005

مرّت خمس وثلاثون سنة على مقتلك، وما زال الخريف هو نفس الخريف، نفس الألوان البنية للحقول قبل تبرعم القمح. هطل المطر الأول إلاّ أن وجع الشوق الذي بداخلي لا يتلاشى.
كل هذه السنين وما زلت أحبك وأتألم كثيراً. لم ينطفئ داخلي الشوق إليك، بل يتعاظم من حدث لآخر. أحياناً، أجد نفسي أتحدث معك كما كنت أفعل في السابق، أحدثك عمّا مررت به وما جرى، وحتى أسألك عن أشياء وأنتظر منك الإجابة.
أتحدث إليك ودموعي تنساب. إنها تنهمر لوحدها بعد كل هذا الوقت الطويل.
قبل شهر، وُلد لك حفيد رابع، بالضبط مع بداية السنة. وكما في كل فرحة من أفراح عائلتنا (جاءت هذه المرة في رأس السنة)، كانت الفرحة ممزوجة أيضاً بالحزن لأنك لم تحظَ بالفرح معنا، فقدانك كأنه جرح في قلبي لن يندمل أبداً.
يصعب عليّ وصف وجع الشوق، فهو يأخذني إلى البعيد ولأقاليم أخرى. أنقطع عن العالم الذي أعيش فيه وأحلّق معك في الأعالي عبر دوائر لا نهاية لها. الدموع فقط هي شاهدي الوحيد على ما يدور داخلي، وعندما أهبط إلى الأرض من جديد، إلى عالم الواقع، يكون جسدي مرتخياً وروحي منطفئة، ريثما يمر القليل من الألم.
ذلك مستمر منذ خمس وثلاثين سنة وطيلة هذا الوقت، ما من أمر ينسيني  إياك في داخلي ويخفف أوجاع قلبي، أو يسد ولو قليلاً الهوة الكبيرة التي فُتحت في روحي. لقد توقف الزمن حقاً عند ذلك الأربعاء، 4 تشرين الثاني نوفمبر 1970، الساعة 7:10.
في صورتك المعلقة ببيتي، عمرك 26 سنة وفي كل مرة أنظر إليها تبدو وكأنك دائماً أخي الأكبر مني، كأن هذا الزمن الطويل لم يمر وبقيت بعمر 26.
لقد خرجنا من غزة، تلك المدينة التي كنتَ من بين الجنود الذين احتلوها في حزيران 1967. وأنا عندما أردت الإطمئنان أنك خرجت سالماً من تلك الحرب، وصلت للشارع الرئيسي في غزة بتوصيلة مع المركبة المتقدمة للدبابات. سألت عنك فقام أحدهم بمناداتك وسافرتَ إليّ بالجيب التابع للوحدة من بيت الحاكم. وهكذا التقينا بمنتصف شارع غزة الرئيسي، من حولنا كان إطلاق النار ما زال مستمراً ونحن نتعانق ونبكي. منذ ذلك الوقت مرت 38 سنة وفقط هذه السنة خرجنا من هناك. آلاف العائلات الثكلى مثلنا، أضيفت منذ ذلك الحين وحتى اليوم. كم يا تُرى سيضاف أيضاً!؟
قبل 10 سنوات بالضبط وبنفس اليوم الذي أحيينا فيه 25 على وفاتك، بعد 10 ساعات من وضعي الزهور على قبرك، قُتل في إسرائيل رئيس الحكومة يتسحاك رابين، الذي عقد معاهدة سلام وآمن بمستقبل يسود فيه الأمل والمصالحة. منذ تلك اللحظة تحوّل الرابع من تشرين الثاني نوفمبر ليوم ذكرى وطني، لكن بالنسبة لنا، سيبقى دائماً يوم ذكراك أنت.
سيمر يوم بعد آخر وسنة بعد أخرى ومن مرة لأخرى، سأجد نفسي دامعة من ألم الشوق إليك، ولا أستطيع أن أعرف مسبقاً متى سيحدث ذلك لي. هكذا فجأة، يظهر دون سابق إنذار، ربما بسبب حدث معيّن أو لأنني قرأت كتاباً أردت أن أحدثك عنه. أشتاق إليك كل الوقت وأستفقدك كثيراً، أنت داخلي إلى الأبد، إلى حين انضمامي إليك.
أحبك أخي الكبير، ماشكا

***
ماشكا ليتبك من مواليد كيبوتس نغبا. أبوها موشيه، قُتل نتيجة الصراع قبل ولادتها وسُميت على أسمه. نشأت ماشكا في الكيبوتس مع أمها وأخيها الكبير أرنون، الذي قُتل في الجيش سنة 1970.
دائماً، كانت ماشكا ناشطة سلام وحتى أنها أصيبت برأسها ورجلها من شظايا قنبلة (بقيت واحدة منها في رأسها)، أثناء مظاهرة “السلام الآن” التي قُتل فيها إميل غرينتسفيغ. كانت أيضاً من منظمي مظاهرة السلام التي قُتل فيها رئيس الحكومة يتسحاك رابين. هذه الكلمات، كتبتها ماشكا بمرور خمس وثلاثين سنة على وفاة أرنون.

  • ارنون و ماشكا
  • موشيه ليتباك
  • ارنون ليتباك
  • ماشكا ليتباك